علي الحلي هو مدير التسويق والاتصالات في شركة مسواك، وهي أكبر وأقدم شركة ناشئة مطورة محلياً في العراق. بخبرته التي تجاوزت الأربعة عشر عاماً في مجال تطوير الأعمال والاتصالات والتكنولوجيا المالية، قدم السيد الحلي مساهمة كبيرة في تطوير بيئة الأعمال العراقية من خلال تعزيز ريادة الأعمال والابتكار.
يسرد لنا السيد الحلي في هذه المقابلة ما تختزنه ذاكرته عن العقد المُنصرم، ويحكي لنا قصة نمو بيئة الأعمال العراقية منذ اللحظة التي تواصل فيها لأول مرة بمنظمي برنامج ستارتب ويكند (Startup Weekend) في حدثه الأول في العراق في عام 2013 حتى دوره في تسهيل حوارات المفتوحة عن بيئة الأعمال في عام 2023 والتي تهدف إلى توحيد اللاعبين المحليين لمواجهة التحديات والتعاون مع الفاعلين لفتح مسارٍ للنهوض بالشركات الناشئة العراقية.
كما حدثنا عن تجربته في بيئة الأعمال الأردنية، ومسيرته المهنية في شركة زين، ودوره في بناء منصة زين للإبداع في العراق. وأيضاً تطرق إلى مواضيع مهمة مثل التحول الرقمي، ودور الشركات الناشئة في تسريعه، وقضية تسجيل الشركات، والجهود الحكومية الحالية في دعم ريادة الأعمال.
هلّا أخبرتنا المزيد عن نفسك ومسيرتك المهنية.
مسيرتي هي نقطة تلاقي التكنولوجيا مع الأعمال. فقد حصلت على درجة البكالوريوس في هندسة البرمجيات من جامعة عمان الأهلية ثم التحقت بدراسة الماجستير في إدارة الأعمال في معهد نيويورك للتكنولوجيا. تشمل خبراتي السابقة العمل في الشركات الناشئة لتطوير البرمجيات، واستوديوهات تطوير الألعاب، ووكالات التسويق، والاتصالات، والتكنولوجيا المالية، ومؤخراً التجارة الإلكترونية. لقد سلكت مساراً متعدد الأبعاد وكان الحظ حليفي فيه، فقد فتح عيني على الصناعات المختلفة التي تجمع بين التكنولوجيا وتطوير الأعمال.
في وقتٍ مبكرٍ من حياتي المهنية، كنت مهتماً جداً بالمسؤولية الاجتماعية عموماً. ويعود ذلك إلى تنشئتي، فقد عُلِّمْتُ منذ نعومة أظفاري على عدم التهاون في هذا الشأن، فقد كانت مساعدة الناس الشغل الشاغل لعائلتي. واكتشفت في أثناء خدمتي في العديد من القضايا الاجتماعية والمبادرات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات، أنّ هناك مسؤولية اجتماعية تنطوي على مساعدة الشباب على تحديد أهدافهم والعثور على مساراتهم المهنية. حينها، أعدت النظر في المسؤولية الاجتماعية للشركات وتبنيت هذه العقلية. كانت تجربتي السابقة متمحورة حول إطعام الناس وتوفير المأوى وهو أمر غير مستدام من الناحية العملية على المدى الطويل. وقبل أحد عشر عاماً، حولت تركيزي إلى تمكين الأفراد من خلال تعليمهم مهاراتٍ قيمة لتحسين فرص عملهم وآفاقهم المستقبلية.
عند التفكير في فرصة عمل، ما الذي تبحث عنه؟
في بداية المشوار، جلُّ ما يرغب به أيُّ شابٍ حديث التخرج هو الدخول إلى سوق العمل وشغلُ أيِّ منصب شاغر، ثم البدء بتكوين وعي تجاري يؤهله لمعرفة ما الذي يبحث عنه في الوظيفة. إنّ ما يحفزني هو الهدف النهائي للمهمة والغايات التي تتحقق خلال عملي في تلك الشركة. أضِف لذلك أنَّ اتجاه الشركة أمرٌ جوهري لي، وما إذا كانت مبادئهم ودوافعهم وأهدافهم على غرار خاصتي.
كيف انخرطت في بيئة ريادة الأعمال في الأردن أولاً ثم في العراق؟
كنت أقطُنُ في الأردن عندما بدأت بيئة الأعمال الأردنية بالنمو والتشكل. في أحد أيام عام 2009 استيقظنا على خبر استحواذ شركة ياهو على شركة مكتوب، وجعلنا ذلك نفكر بأننا يمكننا بناءُ شركةٍ قد ينتهي بها المطاف إلى أن يُستَحْوَذَ عليها أو يُستثمَرَ فيها. لقد شهد الأردن حينها ثورةً ضخمةً شملت التعليم والبنية التحتية وتوجيه الشركات. أطلقت الشركات هذه المبادرات لمساعدة الشباب على إنشاء مشاريعهم الخاصة ومن ثم الحصول على استثمارٍ فيها.
لقد بُنِيّت بيئة الأعمال الأردنية بجهودٍ تعاونية، إذ جلس جميع قادة المجتمع والكيانات معاً على طاولة واحدة وناقشوا الفرص والتحديات. وبحلول نهاية عام 2012، شاركت في منتدى تطوير السياسات الاقتصادية الذي أسسه سعادة الدكتور طلال أبو غزالة. وشاركت مع سفراء طلاب غوغل للاستثمار في أدوات غوغل والترويج لها في الجامعة. بدأ انخراطي في بيئة الأعمال العراقية بعد محادثتي مع مرشدي، الدكتور سعد المؤمن، الذي يعمل الآن عضواً في الهيئة التدريسية لجامعة بغداد، وأخبرته أني: "أؤدي حالياً دوراً فعّالاً في بيئة الأعمال في عمّان. هل يحتاجون إلى هذا الدعم في بغداد؟" أنبأني الدكتور سعد عن أول هاكاثون للتكنولوجيا سيقام في بغداد، والذي كان أول ستارتب ويكند. اتصلت بالفريق المُنِظِم وأعربت عن اهتمامي بالهاكاثون الرقمي، وكانت هذه الخطوة الأولى التي خطوتها في بيئة الأعمال العراقية في عام 2013.
قضينا اليوم الأول من ستارتب ويكند في طرح الأفكار. بحلول نهاية اليوم الثالث، بدأنا برؤية أفضل المشاركين. لقد أذهلني وجود شباب لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشرَ عاماً في منافسةٍ مع من هم في زهاء الثلاثين والخمس وثلاثين عاماً، وطلاب المدارس الثانوية يتنافسون مع الخريجين، وموظفي الشركات. تابعتُ أنشطة ستارتب ويكند في مدن مختلفة بين العراق والأردن. بحلول عام 2014، أعدت تنشيط الفصل الأردني من حياتي المهنية الذي كان في حالة سبات لمدةِ عامٍ ونصف، وقد كنت بالإضافة إلى وظيفتي اليومية، أعمل على إعادة إحياء ستارتب ويكند في الأردُن.
عُقِدَ أول ستارتب ويكند لي في شباط 2014 في منشأة طلال أبو غزالة وقد كنت عضواً في المنتدى الاقتصادي. زارتنا في اليوم الثاني من الهاكاثون رشا بركات من زين الأردن، التي ساعدتنا في اتصالات الإنترنت التي توقفت لبضعِ ساعات. بعدها بأسبوع، دعتني إلى مكتبهم، وأعربت عن اهتمامها بستارتب ويكند وأنهم يرغبون في رعايتنا على المدى الطويل. وأصبحَت رشا لاحقاً مرشدي لسنواتٍ طويلة ومن هنالك بدأت رحلتي مع زين. اقترحتُ مدَّ جسور التواصل مع زين العراق لإطلاق ورعاية ستارتب ويكند في العراق. استمر دعم زين لستارتب ويكند لستِ سنواتٍ متتابعة، في كل من الأردن والعراق ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى، بما في ذلك ستارتب ويكند برعاية كاملة في السودان بحلول نهاية عام 2014.
هلّا أخبرتنا كيف عززت مبادرة منصة زين للإبداع (ZINC) الابتكار وريادة الأعمال في العراق؟
بدأت مبادرة منصة زين للإبداع في الأردن بإنشاء زين الأردن مركزاً لرواد الأعمال واستثمارها فيه. يساعد هذا المركز على تطوير الحلول والخدمات الرقمية، والتي تساعد شركات التكنولوجيا والاتصالات على التواصل وتوسيع خدماتها وفهم الشباب على نطاق أوسع. بعد نجاحها في الأردن، تبنت مجموعة زين الفكرة، ثم إُطلِقَت منصة زين للإبداع – الكويت.
جاء العراق لاحقاً في الترتيب بسبب عدد سكانه وحجم شركة زين الفرعية هنا. دعاني السيد الحيدر عكاب لنقل تجربة منصة زين للإبداع إلى العراق، ولكن الافتقار إلى وجود بيئة أعمال في العراق خلق بيئة غير مشجعة، ولم نكن حينها مستعدين لإنشاء منصات ابتكار. على الرغم من وجود أنشطة لستارتب ويكند خصوصاً في بغداد وأربيل والبصرة إلّا أن ثقافة الشركات الناشئة وعقلية المؤسس كانت مفقودة. في عام 2016، بدأنا بجمع البيانات وإنشاء النظام، ورسم الأهداف وتشكيل الفريق. بعدها بعام انخرطنا في أنشطة مختلفة لتفعيل بيئة الأعمال.
وهكذا، فعّلنا مجتمعات وفرق عديدة في عام 2017 من خلال أنشطة مستمرة على مدى ستة أشهر لأكثر من 15 مجتمعاً مختلفاً في مدن مختلفة، بإجمالي 37 نشاطاً مع فكرة سبيس (Fikra Space)، ومجموعات مطوري غوغل، ودوائر مطوري فيسبوك، وستارتب ويكند. ولم نكتفِ بذلك بل شمل ذلك مجموعات مطوري غوغل على المستوى الإقليمي لبدء فصل جديد في العراق. وبذلك أسسنا بيئة الأعمال، وتطورت الأمور تدريجياً. في عام 2018، بدأنا بجمع البيانات عن مدنِ مختلفة في جميع أنحاء البلاد، ففي محافظة كركوك على سبيل المثال جمعنا بيانات عن المهارات التي يحتاجها الشباب للمشاركة وبدأ المشهد هناك ورأس المال اللازم لتحقيق ذلك. من الجدير بالذكر أنّ جائحة كوفيد عطلت خطة إطلاق أول منشأة لمنصة زين للإبداع في بغداد لمدة عام كامل.
تؤدي منصة زين للإبداع دور المنصةِ التي تُقدِم الشركات الناشئة لشركائنا الإقليميين، فزين موجودة إقليمياً في سبعِ دولٍ مختلفة. وبهذه الطريقة، يمكن أن تجلب رأس المال الاستثماري المختلف، أو مستثمرين مخاطرين، أو حتى أن تستقطب كيانات داعمةً من الخارج إلى بيئة الأعمال المحلية. كانت تلك خارطة الطريق التي رسمناها واتبعناها في المؤسسة. قضيت 5 سنوات في زين من 2016 إلى 2021، أسير على هذه الخارطة.
شهد عام 2018 افتتاح المحطة، تليها كابيتا في عام 2019. وفي أواخر عام 2018، بدأت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) بالتحرك في جميع أنحاء البلاد وإبرام الشراكات مع كيانات مختلفة. ونتيجةً لذلك، لم نكتفِ بخلق الطموح فحسب ولكن دعمنا تطويره من أجل نمو بيئة الأعمال بشكلٍ مستمر. ما أن تم إنشاء تلك الكيانات وغيرها، أُضيفت مزيد من القوة إلى المشهد بأكمله. كان علينا بعدها إيجاد طرق للتعاون وتوحيد جهودنا.
تختلف البيئة الأردنية تماماً عن نظيرتها في العراق. ففي الأردن يجلس الجميع على نفس الطاولة، أمّا في العراق، فإن الشخصية لا تسمح بذلك. عليك أن تقدم تنازلات وتطلب من الآخرين أن يتنازلوا للجلوس معاً وخلق هذا النوع من بيئة الأعمال. لو أننا استبقنا الأحداث وقمنا بإنشاء مراكز أو منصة زين للإبداع، لكانت الخطة قد فشلت، فلما كان هنالك من يعمل في تلك المباني أو يستفيد من المؤسسات. نظراً لأننا كنا نعمل على استراتيجية وطنية، كان لدينا بعض مؤشرات الأداء الرئيسية على مستويات مختلفة. بهذه الطريقة، عندما أسسنا المنصة، كانت تعمل بشكل كامل.
كيف ترى أن ستارتب ويكند شكلت المشهد الريادي العراقي؟
عندما جئت إلى العراق لإدارة الملف الريادي في زين، كانت أول مهمة توليتها هي استكشاف تاريخ البيئة الريادية نفسها: من بدأ ماذا؟ بجانب فكرة سبيس التي أطلقها بلال غالب والتي كانت بداية جميع مجتمعات التكنولوجيا في العراق، كان ستارتب ويكند هو العمل الكبير الذي أشعل شرارة التحول الجذري لريادة الأعمال في عام 2013.
تتمحور فكرة ستارتب ويكند بأكملها حول المجتمع والثقافة. أثناء تنظيمنا لستارتب ويكند في عمّان، التقيت المنظمين الاساسيين وقد أتاحو لنا جميع الموارد والشبكات اللازمة للعثور على رعاة، ومرشدين، وشركاء. نقلنا هذا إلى كل أجيال منظمي ستارتب ويكند. اليوم، تضم هيئة إدارة ستارتب ويكند في بغداد إثنا عشر مشرفاً قدموا خدماتهم منذ عام 2013. جميعهم موجودون لمساعدة الفريق الحالي بتكوين العلاقات والشبكات وفرص الرعاية والتوجيه والموارد. إذا كان هؤلاء المشرفون جزءاً من شركة معينة، فإنهم ملزمون بتوفير مرشدين، وحكام، ومتحدثين، أو أي نوع آخر من الموارد المتاحة. يقع على عاتق شركة مسواك، مثل أي شركة أخرى، مسؤولية دعم الفريق الحالي بالعلاقات والشبكات وفرص الرعاية والتوجيه والموارد.لم نواجه مشكلةً في فهم ذلك واستيعابه منذ اليوم الأول من قبل جميع المنظمين والمشاركين. لم يأتي نجاح أسلافنا بالسهولة، بل هو نتيجة لدعم وفيرٍ وهو أساس شيُّد على أكتاف أجيال مختلفة من القادة. كُلٌ يؤدي دوره، وتستمر عملية تخريج أجيالٍ جديدة من قادةِ المجتمع.
ستارتب ويكند، بصفته نشاطاً، كان مملوكاً من مؤسسة "أب جلوبال" الكائنة في سياتل في الولايات المتحدة، ثم استحوذت عليه شركة تيك ستارز، وهي أكبر مُسَرِعَة أعمال في العالم. ومنذ حينها أصبحت ستارتب ويكند إحدى أذرعهم لإنشاء تجمعات في المدن.
تلبي ستارتب ويكند الطلب على الشركات الناشئة، وترسل المنظمات مثل تيك ستارز رؤوس مالهم الاستثمارية للاستثمار في هذه الشركات الناشئة والأفكار المبتكرة. ومن الأمثلة على منتجات ستارتب ويكند هي دروب بوكس وإيزي تاكسي في البرازيل.
لماذا بيئة الأعمال العراقية مشتتة؟
لم يشهد العراق استقراراً حتى وقتٍ قريب. فقد دارت عليه رحى ثلاث حروبٍ، وتجرع مرارة عشر سنواتٍ من العقوبات الاقتصادية، وشَهَدَ حرباً أهلية، ثم هجوم داعش. ما حدث هو أننا فقدنا الثقة في النظام والبنية والمجتمع، وهو أمر متوقع. هذا التشتتالحاصل هو جزء من تطور البلاد، أنَّه أمرٌ مرتبطٌ بالعلوم الاجتماعية، لا بريادة الأعمال على وجه الخصوص. في البلدان المجاورة الأخرى مثل الأردن، حيث يوجد استقرار سياسي، يساعد ذلك على خلق الثقة في النظام ويعزز التماسك والتعاون.
هلّا أخبرتنا عن النقاشات المفتوحة التي تُيَسِرُها بين المؤثرين في بيئة الأعمال؟ لماذا أنشأتها؟ وما الذي تهدف إلى تحقيقه؟
هناك العديد من التحديات التي تقيد تطور المشهد، ولفهمها بشكلٍ أفضل، نقوم بالمشاركة في حواراتٍ مفتوحة مع جميع الأطراف. أسفرت هذه الحوارات عن إنتاج واحدة من أبرع الوثائق التي شاركتُ في إعدادها على الإطلاق. إن هذه الوثيقة الرفيعة المستوى التي تنشرها "كابيتا". فقد أٌعِدَتْ بعد أن استمعنا إلى جميع الأطراف المعنية، وجمعنا جميع التحديات، وتعرفنا على جميع الصعوبات.
تهدف هذه المناقشات إلى تقديم حلٍ للاحتياج. وفيما يتعلق بالاستثمار الإقليمي، يبدو أن البلاد تستيقظ من سباتها أخيراً، وهذا مؤشر جيد. تبدي المؤسسات الإقليمية ورؤساء المشاريع الاستثمارية اهتماماً بالعراق. زيارة فلات 6 لابز (Flat6Labs) في آذار إلى بغداد ولقاء جميع الأطراف هو انعكاس لهذا الاهتمام بالسوق العراقية. بادرتُ شخصياً في تسهيل هذا اللقاء، والذي شهد بدوره أول تعاون بين الأطراف. كان يوماً توضيحياً في المحطة حيث قَدَمَتْ عشر شركاتٍ ناشئة من المحطة وكابيتا، خمسٍ من كل منهما، أفكارها أمام رؤساء المشاريع الاستثمارية. وهذا يعني أنه من أجل جعل جهة التوريد، أي رؤساء المشاريع الاستثمارية الإقليمية، مهتمة بالبلاد، يجب علينا توحيد وتوسيع الطلب. بعبارةٍ أخرى، نحن بحاجة إلى خلق مسارات لتطوير الشركات الناشئة والارتقاء بها من المراحل الأولى إلى مراحل النمو، وهو مستوى يجذب اللاعبين الإقليميين. اليوم، بدأت جميع الأطراف المحلية في فهم حتمية التعاضد، ومشاركة قواعد البيانات، وتبادل المعرفة لإنشاء هذه الشبكة من أجل الخروج بالمزيد من القصص الناجحة.
تواصل معي في الآونة الأخيرة مُسَرِع البنك العربي (Arab Bank Accelerator) وهو أحد أكبر المصارف في الشرق الأوسط. يبحث المصرف حالياً عن فرص استثمارية في قطاع التكنولوجيا المالية والشركات الناشئة في مراحل مبكرة. وهذا يؤكد الغرض وراء دخول Flat6Labs، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات. لذا يجب على الجميع أن يكونوا منفتحين للحوار لفهم التحديات بهدف التوصل إلى حلول في الوقت القريب والعمل على أهداف مشتركة في المستقبل البعيد.
يتماشى هذا أيضاً مع استراتيجية الحكومة. أطلقت حكومة اليوم مبادرة تسمى "ريادة"، والسؤال هنا لماذا هذه الحكومة على وجه الخصوص، وليس سابقاتها؟ لأنّ أولويات سابقاتها كانت مختلفة، إذ انطوت على تأسيس النظام الديمقراطي، ومحاربة داعش، وإجراء الانتخابات، وتمكين ريادة الأعمال. والسلطة التنفيذية في حكومة اليوم أكثر ميلاً نحو هذا الاتجاه المتمثل في خلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد.
ما هي القضايا الأكثر إلحاحاً التي كشفت عنها مناقشات بيئة الأعمال هذه؟ وما هي حلولها؟
اتفق جميع الأطراف المشاركة في هذه المناقشات على أن تسجيل الشركات هو نقطة ضعف رئيسية في البيئة التكنولوجية. نحن لا نهدف إلى تغيير القانون بل إلى إنشاء مسار سريع لبعض الشركات الناشئة المحددة وتوفير مرافق لشركات التكنولوجيا الناشئة ورواد الأعمال الشبان. يمكن أن تشمل هذه المرافق تخفيضات مخصصة، وتجنب الضرائب، وتخفيض رسوم التسجيل، وتبسيط إجراءات الإعلان عن الإفلاس. من الناحية القانونية، يقيس المحامون تعقيد مستند ما بناءً على عدد التواقيع المطلوبة. حالياً، يتطلب فتح شركة في العراق 23 توقيعاً، بينما يتطلب الإعلان عن الإفلاس 27 توقيعاً، مما يجعل الأمور أكثر تعقيداً.
لقد ناقشنا جانباً آخر ألّا وهو مشاركة البيانات لتمكيننا من تتبع "صائدي المنح" وهم أفراد يضرون بيئة الأعمال. ونعمل أيضاً على إنشاء مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) لأنفسنا كمجموعة لضمان اتباعنا لمعايير جيدة وتقديم منتجات ذات جودة.
هل تعتقد أن الدعم الحكومي كافٍ لنمو المشهد الريادي العراقي؟ وما الذي نحتاجه لتعزيز نموه؟
لا يزال المشهد ناشئاً ولم ينضج بعد بما فيه الكفاية. تقع اليوم معظم الشركات الناشئة التي تخرجت من الحاضنات أو المسرعات بين مستويات ما قبل التمويل والتمويل. مسواك وعالسريع هي الشركات الناشئة المحلية الوحيدة التي وصلت إلى التسلسل أ، في حين أن توترز، وهي شركة ناشئة غير عراقية، تأتي في التسلسل ب.
تهدف المبادرة الحكومية "ريادة" إلى تغيير السلوك الثقافي، لذلك من غير المتوقع أن تسفر عن نتائج فورية، بل سيستغرق الأمر بضع سنوات حتى تثمر هذه التجربة. فبالكاد سنلاحظ هذه المرحلة بعد مرور ثلاث إلى أربع سنوات إن أردنا ذلك. حصل الأمر ذاته في عامي 2016 و2017، فهذا النمط من التقدم التدريجي متكرر الحدوث.
حضرت قبل فترةٍ حلقة نقاش في المحطة تناولنا فيها موضوع معاملات الدفع الرقمي، بينما في عام 2017 كنا نناقش الرعاية وكيفية رعاية المجتمعات والأنشطة، وطباعة النشرات. وفي غضون أربع أو خمس سنوات، سنناقش أحجام تذاكر الاستثمارات، الصغيرة والكبيرة على حد سواء. يشير حجم التذكرة إلى مقدار الاستثمار الذي تسعى الشركة الناشئة للحصول عليه. إلى الآن، ما تزال شركاتنا الناشئة في مساحة فيها أحجام التذاكر مرتفعة نسبياً بالنسبة للمستثمرين المحليين وصغيرة جداً لتلفت انتباه المستثمرين الإقليميين. وبالتالي، فإننا عالقون في الوسط، حيث لا يرى المستثمرون المحليون قيمة الشركات الناشئة على الرغم من البيانات المجموعة والجذب الذي تولده الشركة، ويعتقدون أن الاستثمار مرتفع للغاية بالنسبة للشركات الناشئة. من ناحيةٍ أخرى، لا يزال المستثمرون الإقليميون يرون أنّ الشركات الناشئة لم تنمو إلى مستوى يجذب اهتمامهم للاستثمار.
هل ترى أن بيئة أعمالنا تعيد تدوير الشركات الناشئة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هناك طريقة لتجنب هذا؟
إذا كانت بيئة أعمالنا تعيد تدوير الشركات الناشئة، فإن ذلك محض مصادفة. لكن الأمر هو أننا ما زلنا لا نملك ما يمكننا تسميته ببيئة أعمال حتى الآن. ما تزال بيئتنا عبارة عن مجموعة من المبادرات غير الموحدة في اتجاه واحد. من خلال هذه الحوارات، أنشأنا إطاراً يمتد على مراحل مختلفة. وهذا يسمح لكل كيان بفهم ما إذا كان يعمل في مرحلة الاكتشاف أو مرحلة الإتقان أو مرحلة الإطلاق أو مرحلة التمويل أو مرحلة النمو. نحن نخلق لغة مشتركة، والتي ستؤدي بلا شك إلى التآزر، لتحويل هذه المجموعة من المبادرات إلى بيئة أعمال حقيقية.
هل يشهد العراق حالياً تحولاً رقمياً؟ وكيف يمكننا تسريع هذا؟
أعتقد أنّنا متأخرون قليلاً من حيث التحول الرقمي، لكن رقمنة أو أتمتة الصناعات والقطاعات المختلفة تتطلب العديد من العوامل الرئيسية. الأول هو بنية تحتية قوية للإنترنت، والتي لم تتحقق إلا في عام 2021 مع إطلاق الجيل الرابع، تليها شبكة إيصال الألياف الضوئية إلى المنازل (FTTH). والأمر الآخر هو الوصول إلى المدفوعات الرقمية، وقد حققنا نجاحاً كبيراً من حيث الإصدار. يوجد الآن أكثر من 16 مليون بطاقة صادرة في البلاد. ومع ذلك، لا توجد حالات استخدام كافية لهذه البطاقات، مثل البوابات الرقمية أو أنظمة نقاط البيع أو أجهزة الصراف الآلي، على سبيل المثال لا الحصر.
بذلت هذه الحكومة جهوداً لتسريع تنفيذ الدفع الرقمي، مثل إدخال نقاط البيع وطرق الدفع الرقمية في المؤسسات الحكومية. ومع ذلك، في بعض الأحيان، لا تلبي الأنظمة المطلوب من حيث الاستخدام. لدينا الجهاز، ولكن ما هي حدود الاستخدام لذلك الجهاز؟ كم تطلب الحكومة من إجمالي مدفوعاتنا على هذا الجهاز؟ وما نوع الإجراء التنفيذي الذي سيسرع هذا التحول الرقمي في نظام الدفع؟
ثم تأتي الأتمتة الأوسع داخل القطاع الحكومي، إذ تؤسس وتطور جميع الوزارات والمؤسسات أنظمتها وتدمجها مع المدفوعات الرقمية. كل شيء يحدث في وقت واحد. في الوقت الحالي، لا يمكننا تقديم مدفوعات الفواتير لأن معظم خدمات الوزارات غير مؤتمتة. وبالتالي لا أحد يستخدم الدفع الرقمي. ومع ذلك، بدأت العديد من المؤسسات في التعاون مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي والمنظمات غير الحكومية لفهم هذا التحول بشكل أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، هناك ضغط من المجتمع الدولي على العراق للرقمنة. على سبيل المثال، وضعت لوائح جديدة من الاحتياطي الفيدرالي تجاه البنك المركزي العراقي وبدأ تفعيلها، وتلتها لوائح لاحقة. وعلى هذا فإن التقدم سارٍ، وسيستغرق الأمر من أربعٍ إلى خمسِ سنوات. إذا نظرنا إلى الوراء، قبل عام 2017 أو 2016، لم تكن فيزا أو ماستركارد متاحة بسبب البند السابع من الأمم المتحدة وما شابهه. أما الآن فإن ستة عشرَ مليونً بطاقةٍ هي إنجاز كبير. بالنظر إلى أن نصف إجمالي السكان تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً، فالحسبة تقول أنه لا يوجد سوى أربعة ملايين بالغ بدون بطاقات.
ما الذي جذبك للانضمام إلى مسواك، وما رأيك في قطاع التجارة الإلكترونية؟ هل تعتقد أنّ الشركات الناشئة تؤثر على سلوك العملاء وتعزز التحول الرقمي؟
أهداف المؤسسة هي ما يجذبني إليها، كما أنّ الشركة تمر بمرحلة يمكنني ان أؤدي دور فعال فيها. لقد ممررت بنقلة نوعية من المساعدة في إطلاق بيئة الأعمال مع المجتمعات في عام 2016 إلى أن أكون جزءاً من فريق مسواك حيث السعي إلى التقدم نحو التسلسل أ، وذلك ما جعل الرحلةَ مرضيةً. لقد أصبحنا أول شركة ناشئة محلية تجتاز هذا المسار، مما جعل قصتنا قصة نجاح ومَعلماً مهماً لبيئة الأعمال بأكملها. كان هذا التحدي ذا مغزى، إذ زودني بالإجابات على ما كنت أفعله على مدى السنوات السبع الماضية.
لم تنتشر التجارة الإلكترونية بعد في البلاد، وبدلاً من ذلك، تسود التجارة الالكترونية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة باسم (Social Commerce - التجارة الاجتماعية). تعالج مسواك قضايا مختلفة في التجارة الرقمية، مثل أصالة المنتجات، وكذلك الشفافية مع سلاسل توريد المنتجات، من منظور المستهلك. أما بالنسبة لوجهة نظر التجار، فنحن نقدم التكنولوجيا التي تمكنهم من الوصول إلى المزيد العملاء في كل أجزاء البلاد. في جوهر الأمر نحن نُعَدُّ في المقام الأول شركة تكنولوجيا تركز على التجارة الإلكترونية. نقدمُ حلولاً رقمية لكل من العملاء والتجار لتلبية العرض والطلب.
من الممكن للشركات الناشئة تغيير سلوك المستهلك. أدت شراكتنا مع فيزا إلى زيادة ملحوظة في معدل انتشار المعاملات الرقمية على تطبيقات التجارة الإلكترونية. وقد مهدت الطريق لبوادر تعاونٍ أخرى، مثل شراكة فيزا مع توترز، ومؤخراً مع كريم. وهم يدركون القيمة التي يمكن أن يحققها التطبيق النشط محلياً لزيادة الوعي المالي.
ماذا يلوح في أُفق بيئة الأعمال لمى تبقى من هذا العام؟
آمل أن تؤدي هذه الحوارات المفتوحة إلى تشكيل قوة موحدة تسعى نحو تحقيق المزيد من الوصول والأدوات والتمكين لبيئة الأعمال. هناك أيضاً عدد قليل من الاستثمارات وعمليات الاستحواذ والشراكات التي ما تزال قيد المناقشة خلف الأبواب المغلقة. من المؤكد أن هناك المزيد من النمو في المعاملات الرقمية، والتجارة الإلكترونية، والتجارة الاجتماعية، والسفر، وتوصيل الطلبات، وتوصيل الطعام. بدأ كل شيء يتحول إلى الرقمنة، والجميع يدرك الفرصة ويريد المشاركة في هذه الثورة.
يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more
في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more