أدوار جامعية رائدة: الجامعة الأمريكية في السليمانية تقود المشاركة الجامعية في تطور ريادة الأعمال في العراق
الدكتور هيمن لطيف
مدير مركز ريادة الأعمال والابتكار في الجامعة الأمريكية في السليمانية (AEIC)
في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة، التي غدت حديث الساعة لما تحمله من وعود بالابتكار والتقدّم والازدهار الاقتصادي. إلّا أنَّ شمس ريادة الأعمال آفلةٌ عن المكان الذي لا بُدَ أن تُزاوره، ألّا وهو جامعاتُنا. وهنا يطرح سؤالٌ نفسه: إذا لم ينبع هذا الرواج والاهتمام ببيئة ريادة الأعمال من مؤسساتنا التعليمية، ما هو منبعه إذاً؟ وكيف نمت المهارات وبرزت المواهب وتشكلت المعارف التي رسمت بيئة ريادة الأعمال من دون تعليم؟ تكمن الإجابة في فرص الازدهار المتاحة في بيئة ريادة الأعمال لكل من الشباب الذين يبحثون عن مسارات مهنية أكثر ميلاً إلى المغامرة من الوظائف الاعتيادية، والمؤسسين الشباب الذين يمتلكون المعرفة بإنشاء الأعمال التجارية أو أولئك الذين لا يمتلكون أدنى فكرة عنها، والجهات الدولية الرئيسية التي اعتنقت روح ريادة الأعمال بكل إخلاص. يقود هؤلاء الثورة الريادية، في حين يبدو أن الجامعات متأخرةً عن الركب ويعيقها عدد لا يحصى من التحديات. إنَّ عراقيل عملية ريادة الأعمال متشعبة ومترامية الأطراف. وتأتي عملية تغيير المناهج الدراسية في مقدمتها، ممَّا يصعب معها دمج المفاهيم الجديدة والخبرات العملية المتعلقة بريادة الأعمال في مؤسساتنا الأكاديمية. ويتفاقم هذا العائق بالجهل الواسع أو غياب التقدير لريادة الأعمال بين أعضاء هيئة التدريس. الأمر الأكثر ضرراً هو غياب الأنظمة المرنة داخل الجامعات بشكل يمكّنها من التكيّف والاستجابة للتغيرات العالمية بسرعة. ونظراً لهذه التحديات، ظهر مؤخراً مصطلحٌ يمكن أن يكون حلاً محتملاً وهو: الجامعات الريادية. ومع ذلك، قد يبدو هذا المصطلح غامضاً بالنسبة للكثيرين، لذا لا بد من التعمق في مفهوم الجامعات الريادية وإمكاناتها.
يمكن تعريف الجامعة الريادية بأنّها مؤسسةٌ أكاديميةٌ تتبنى ريادة الأعمال في استراتيجياتها وعملياتها وهيكلها التنظيمي بدلاً من التشديد على التدريس التقليدي والأنشطة البحثية فقط. يسعى هذا النهج المبتكر إلى تعزيز العقليات والمهارات والسلوك الريادي بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين، وبالتالي انماء بيئة ريادة أعمالٍ مزدهرةٍ داخل الجامعة. تتميز جامعة ريادة الأعمال بالتحول من نموذج نشر المعرفة التقليدي إلى نموذج تبادلٍ معرفيّ أكثر شمولاً. هذه الجامعات لا تقتصر على تدريس نظرية ريادة الأعمال فحسب، بل توفير الخبرات العملية في مجال ريادة الأعمال، كما لا تركز على تثقيف الطلاب فقط في ريادة الأعمال ولكن تثقيف الموظفين وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء. وتشجع هذه الجامعات إنشاء الشركات الناشئة والشركات التابعة وتدعمها، وتعزز التعاون الصناعي، وتسويق البحوث الجامعية، إلى جانب استراتيجيات أخرى. كما تعطي هذه الجامعات الأولوية لتطوير أعضاء هيئة التدريس والموظفين في مجال ريادة الأعمال، مما يضمن أن أعضائها ليسوا معلمين وباحثين فحسب، بل عوامل تمكين لريادة الأعمال. تحفز هذه البيئة التفكير الإبداعي، وتصقل مواقف ركوب المخاطر، وترعى ثقافة ريادة الأعمال داخل الجامعة.
والجدير بالذكر أن أثرَ الجامعات الريادية يتعدى أبعاد حَرَمِها الجامعي. إذ تسعى الجامعات الريادية إلى غرس العقلية الريادية بين طلابها وموظفيها وأعضاء هيئة التدريس وفي المجتمع الأوسع أيضاً. وتعمل على تحقيق ذلك من خلال تسهيل تعليم ريادة الأعمال وفرص التدريب المقدَّمة للمجتمعات المحلية، والمشاركة مع الهيئات الصناعية والحكومية للتأثير على السياسات والممارسات، والسعي لأداء دور تحويلي في اقتصاداتها المحلية والوطنية. إنَّ الجامعات الريادية تُعَدُّ في الأساس أكثر من مجرد مؤسسات تعليمية، إذ تمثل عاملاً قوياً من عوامل التغير الاجتماعي والاقتصادي. وتسعى هذه الجامعات جاهدة لتكون عنصراً رئيسياً في تشكيل مجتمع يقدّر ريادةَ الأعمال ويفهمها ويمارسها. وإدراكاً للإمكانات التحويلية لريادة الأعمال، تأخذ الجامعة الأمريكية في السليمانية خطوات كبيرة في سبيل التحول لجامعة ريادية. وعلى الرغم من حديث سنها وصغر مساحتها مقارنة بالجامعات الأخرى في البلاد، تُظهر الجامعة الأمريكية في السليمانية التزاماً استثنائياً بهذه الرؤية. إن رؤية الجامعة ودافعها ليس داخلياً فقط، إذ تلتزم الجامعة بلعب دور مهم في تطوير البيئة الوطنية لريادة الأعمال. وذلك من خلال تزويد الطلاب بالمهارات الريادية، وتسهيل تأسيس الشركات الناشئة، والانخراط في شراكات مؤثرة صناعياً واجتماعياً، كما تسعى الجامعة جاهدة للمساهمة في التنمية الاقتصادية والتنوع في البلاد. وتتعدى مهمة الجامعة الأمريكية في السليمانية حدود حَرَمِها الجامعي، إذ تهدف إلى إحداث تأثير إيجابي ودائم على المجتمع الأوسع والبلد بأكمله. وبذلك، لا تسعى الجامعة للتحول لجامعة ريادية فحسب، بل تطمح إلى أن تكون عنصراً رئيسياً في الثورة الريادية في العراق.
ومن المبادرات البارزة إنشاء فرق ومراكز متخصصة تركز على ريادة الأعمال والابتكار، مثل مركز ريادة الأعمال والابتكار في الجامعة الأمريكية في السليمانية (AEIC) ومُسرّعة تكوين (Takween Accelerator). تمثل هذه الوحدات العمود الفقري لبيئة ريادة الأعمال في جامعتنا، حيث تُسهّل دمج ريادة الأعمال في البرامج الأكاديمية، وتدعم إنشاء الشركات الناشئة، وتعزز الاتصال مع شركاء الصناعة والمجتمع. إنَّ هذه المبادرات مكرّسة لرعاية الثقافة الريادية داخل الحرم الجامعي وخارجه وتعزيز مبادئ الابتكار وركوب المخاطر وحل المشاكل. تأسس مركز مركز ريادة الأعمال والابتكار في عام 2019، وتتمثل مهمته في المساعدة في تطوير ريادة الأعمال والابتكار في العراق من خلال توسيع فرص تعليم ريادة الأعمال، وتطوير رواد الأعمال في المراحل المبكرة ودعمهم، وبناء مجتمع حيوي وبُنية تحتية داعمة لرواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين. وتماشياً مع هذه المهمة، يقوم مركز ريادة الأعمال والابتكار بتطوير وتقديم البرامج والخدمات لطلاب الجامعات وأفراد المجتمع. ومن أكثر الأنشطة رواجاً في المركز هي مُسَرِعة تكوين، وجوائز الجامعة الأمريكية في السليمانية للابتكار (AIA2022). بتمويل من الاتحاد الأوروبي وتنفيذ بشراكة مع Expertise France منذ حزيران 2020، أُسِسَت مُسرّعة تكوين التي تُعدُّ من أول المسرّعات في العراق، وكان الغرض من تأسيسها مساعدة شركات التكنولوجيا في مرحلة النمو على التقدم والتطور بسرعةٍ أكثر. تسعى مُسَرِعة تكوين إلى أن تكون أحد الجهات الفاعلة الرائدة في البيئة الوطنية لريادة الأعمال والابتكار، وتوفر المُسَرِعة رأس المال الأولي الخالي من الأسهم، وبرامج التدريب المكثفة، والإرشاد الدولي، والوصول إلى شبكة حصرية من المستثمرين وشركاء بيئة ريادة الأعمال. وقد نجحت مُسَرِعة تكوين في تطوير وتقديم مجموعة متنوعة من البرامج، بما في ذلك مجموعات متعددة من برنامج التسريع وما قبل التسريع، وبرنامج الجاهزية الرقمية، وبرنامج تسجيل الأعمال، وبرنامج جاهزية المستثمرين، وبرامج تدريب المتدربين والعديد من الندوات عبر الإنترنت حول الموضوعات المتعلقة بريادة الأعمال والابتكار. تخدم هذه البرامج رواد الأعمال العراقيين وبيئة ريادة الأعمال العراقية، وتستفيد من توظيف المدربين والمرشدين من جميع أنحاء العالم.
إن جوائز الجامعة الأمريكية في السليمانية للابتكار (AIA2022) هي مبادرة مركز ريادة الأعمال والابتكار لتعزيز الابتكارات والمبتكرين في العراق وإقليم كردستان وتقدير جهودهم. أقيم حفل توزيع جوائز الجامعة الأمريكية للابتكار الافتتاحي في 13 كانون الثاني 2022، وحضره أكثر من 200 مشارك، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون وممثلو المنظمات غير الحكومية والمبتكرون ومؤيدون من جميع أنحاء البلاد. وتلقت الجوائز ما مجموعه 74 طلباً من 14 مدينة من جميع أنحاء البلاد ومنحت خمسة فائزين وخمسة متسابقين في الدور نصف النهائي جوائز ابتكار. كما قدمت الجامعةُ منحةً لمدة عامين ونصف لتدريب سبعة من موظفي وأعضاء هيئة التدريس العاملين في الجامعة على التدريب والتعليم في مجال ريادة الأعمال بالشراكة مع جامعتين دوليتين. بالإضافة إلى التدريب وورش العمل حول ريادة الأعمال لموظفي وأعضاء هيئة التدريس، يستخدم البرنامج أداة تقييم ذاتي حديثة بالإضافة إلى خلق حوار بين مختلف أصحاب المصلحة من جميع البلدان الثلاثة حول بناء جامعات ريادية. وقد حقق هذا النهج الاستباقي نتائج ملحوظة، حيث أحدثت الجامعة بالفعل تأثيراُ كبيراً داخل مجتمع الجامعة وخارجه. لا تؤكد مساعي الجامعة على جدوى نموذج الجامعة الريادية فحسب، بل تشكل أيضاً مثالاً واعداً للمؤسسات الأكاديمية الأخرى. يُعد نجاح جامعتنا شاهداً على القوة التحول لريادة الأعمال في المؤسسات التعليمية.
ومع تطور قصة الجامعات الريادية، من الواضح أن المؤسسات الأكاديمية مثل الجامعة الأمريكية في السليمانية تتمتع بميزة لا يمكن إنكارها ومسؤولية لا يمكن إغفالها في لعب دور مميز في بيئة ريادة الأعمال العراقية. وعلى عكس العديد من العناصر الأخرى في هذا المجال، تمتلك الجامعات مزيجاً فريداً من الموارد التي تجعلها مصدراً محتملاً من مصادر القوة في تطوير مجال ريادة الأعمال. وتقف قوة البحث العلمي في مقدمة هذه الموارد. فالبحث الأكاديمي محرك للابتكار، إذ يثير أفكاراً جديدة ويوفر الأساس المعرفي للمشاريع الريادية. ومن خلال التركيز على البحث في مجال ريادة الأعمال، يمكن للجامعات الإسهام في تطوير بيئة ريادة الأعمال، وإنتاج المعرفة التي توجه السياسة، وتحسن الممارسات الريادية، وتلهم أفكار الأعمال التجارية الجديدة. تتمتع الجامعات أيضاً بإمكانية الوصول إلى مورد قوي وهو شبكة واسعة من العقول الشابة المتحمسة. يمثل هؤلاء الطلاب مستقبل القوى العاملة في البلاد. ويمكن للجامعات رعاية جيل جديد من رواد الأعمال الذين سيقودون التنمية الاقتصادية والتغيير الاجتماعي، من خلال تعزيز العقلية الريادية في أذهان هؤلاء الشباب. علاوة على ذلك، يمنح الاتصال الدولي الجامعات ميزة كبيرة. فمن خلال الشراكات والتعاون الدولي، يمكن للمؤسسات تقديم أفضل الممارسات العالمية في تعليم ريادة الأعمال إلى حَرَمِها الجامعي والمجتمع الأوسع. ويمكن أن توفر هذه الاتصالات الدولية أيضاً فرصاً لأنشطة ريادة الأعمال عبر الحدود، مما يفتح إمكانيات جديدة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
يوفر الموقع الفريد للجامعات بالدرجة الأساس فرصة لا تقدر بثمن لتقديم مساهمة فريدة في بيئة ريادة الأعمال. يمكن للجامعات أن تصبح مشاركاً بل وقائداً في ثورة ريادة الأعمال من خلال الاستفادة من نقاط قوتها في البحث والوصول إلى الشباب والاتصالات الدولية. إنَّ هذه ليست مجرد فرصة بل مسؤولية. إلى الشغوفين في تعزيز ريادة الأعمال وتشكيل مستقبل اقتصادنا، تدعوكم الجامعة الأمريكية في السليمانية للانضمام إلى هذه الرحلة المثيرة. إذا كنتَ رائد أعمال ناشئاً أو رائداً في الصناعة أو صانع سياسات أو معلماً، فإننا نعتقد أن التعاون هو مفتاح تعزيز بيئة أعمال ريادية نابضة بالحياة. إنَّ لكل واحد منا دور في هذه الثورة الريادية، ونحن نشجع كل من يشاركنا هذه الرؤية على تسخير قوة ريادة الأعمال معاً، وتشكيل مستقبل مزدهر ومبتكر لبلدنا. لا بد أن نتذكر جميعاً أن رحلة تحقيق جامعات ريادة الأعمال ليست رحلة فردية، ولكنها مسعى مشترك.
يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more
في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more