السوق العراقية للسيارات: انتشار الرقمنة والتحديات المصاحبة

امير صالح

المدير التنفيذي ومؤسس، iQ Cars


كان للعراق سوقاً مغلقةً لوقت طويل امتد حتى نهاية الثمانينيات. كان سوق السيارات تحت سيطرة الحكومات الاشتراكية من خلال الشركة العامة لتجارة السيارات والمكائن وكانت صفقات شراء الاساطيل تبرم مع موزعي ومصنعي المركبات في الخارج لاستيراد السيارات الى البلد. كانت السيارات تباع بأسعار مدعومة للموظفين الحكوميين.

أما الذين لا يتمتعون بميزة شراء السيارات المدعومة من الحكومة فأمامهم خيار شراء سيارات مستخدمة في السوق المحلية للسيارات، مما أدى إلى تشكل عدد متنامي من أسواق السيارات المستخدمة في المحافظات الرئيسية.


فتحت الحكومة المؤقتة لإقليم كردستان الحدود للاستيراد الخاص للسيارات منتصف التسعينيات، وبعدها انفجرت السوق الخاصة لاستيراد السيارات في 2003. لسوء الحظ، لا توجد بيانات موثوقة لمعرفة عدد السيارات التي تم استيرادها بالضبط خلال تلك الفترة، لكن البعض يقدر الرقم بأكثر من نصف مليون سيارة سنوياً.


من الصعب تقدير حجم سوق السيارات في العراق، لكن بناءً على ما حللناه من البيانات المقدمة من الحكومة، فإن iQ Cars، وهي إحدى الأسواق الرئيسية للسيارات في العراق، تقدر حجم السوق السنوي بما يتراوح بين 35 و40 مليار دولار أمريكي بناءً على 1.4 مليون صفقة مبيعات.


بدأ موزعو السيارات بترسيخ وجودهم في البلاد بعد عام 2003. أطلقت أكثر من 40 علامة تجارية للسيارات عملياتها في العراق من خلال الوكلاء المعتمدين على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية. من المتوقع أن يصل عدد العلامات التجارية إلى أكثر من 80 علامة تجارية في غضون سنوات قليلة بسبب زيادة شعبية ماركات السيارات الصينية.

حاول الوكلاء المعتمدون بلا هوادة تغيير سلوك المستهلك، مع التركيز على تقديم خدمات عالية الجودة وتوفير ضمان طويل الأجل، على أمل أن ينجذب المستهلك إلى جودة الخدمة بدلاً من الأسعار المنخفضة. تتزايد مبيعات التجزئة لدى التجار المعتمدين ولكنها لا تزال بعيدة عن القدرة على التأثير في السوق.


ما يزال بائعو السيارات المحليون، أو اصحاب "المعارض" كما يُعرفون عموماً في العراق، مسيطرين سيطرة واسعة على السوق. تكمن استراتيجيتهم في استغلال قلة نفقاتهم الشهرية لدفع المبيعات بكميات كبيرة وبهوامش ربح صغيرة بدلاً من التركيز على خدمة العملاء. يتوق موزعو السيارات إلى الوصول إلى حجم مبيعات أعلى، والتنافس مع العلامات التجارية الأخرى وتوفير المركبات للمعارض للوصول إلى أهدافهم. ليس من الغريب أن يجد المستهلكون نفس السيارة بالضبط بسعر أقل في المعارض من الوكيل المعتمد لتلك السيارات. لقد خلقت استراتيجيات المعارض وموزعي السيارات دورة تغذيها أهداف مبيعات الوكلاء والموزعين المعتمدين، وقد مكنت هذه الاستراتيجيات المعارض من التفوق على الوكلاء المعتمدين في المبيعات. وقد أدى ذلك إلى ابقاء خدمات العملاء في مستوىً منخفض الجودة في أسواق السيارات المحلية.


أجرى استطلاع أجرته شركة iQ Cars في آذار 2022 مقابلات مع 200 من مشتري السيارات في العراق وأظهر أن 92٪ من مشتري السيارات يعدون تجربة زيارة سوق السيارات المحلي فظيعة أو سيئة.


يعتقد معظم العراقيين أن أسواق السيارات المحلية مزدحمة وفوضوية، والأسعار مربكة، والثقة في تجار السيارات في أدنى مستوياتها على الإطلاق. ومن الممارسات الشائعة أن يستعين مشترو السيارات بقريب أو صديق لديه خبرة في سوق السيارات لتقييم أسعار السيارات والتفاوض مع البائعين. وليست عملية شراء السيارة أقل إرباكاً وإنهاكاً من سابقاتها، حيث يلزم القيام بزيارات متكررة لسوق السيارات، وهي تأتي بأساليب مشكوك فيها من قبل بعض مشتري السيارات.


أظهر رقم مفاجئ آخر من الاستطلاع أن 83٪ من مشتري السيارات يبدؤون رحلة شراء السيارات عبر الإنترنت. طور عدد قليل من وكلاء السيارات أو المعارض، باستثناء الوكلاء المعتمدين، رحلة رقمية لعملائهم أو حتى موقع الكتروني شغال. تُستخدم صفحات وقنوات وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من الحل الرقمي للعملاء.


علاوة على ذلك، يقع جزء كبير من السوق في مجموعات وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي. من السهل العثور على مئات المجموعات التي أٌنشِئَت خصيصاً لطراز معين من السيارات فقط، على سبيل المثال، موديلات سيارات الدفع الرباعي المتشابهة نسبياً والشعبية في السوق العراقية، مثل كيا سبورتاج وهيونداي توسان. هناك أكثر من مائة مجموعة على الفيسبوك فيها مئات الآلاف من الأعضاء مع نشر مستمر لما يزيد على عشرة منشورات يومياً، يدرج فيها مالكو السيارات مواصفات سياراتهم. يجري جزء كبير من المعاملات اليومية في سوق السيارات من خلال مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي هذه. 


التجارة عبر منصات التواصل الاجتماعي هي سوق متنامية في جميع أنحاء العالم، ولكن عندما تكون جزءاً كبيراً جداً من السوق أو ربما الأكبر، فإنها تكشف عن سوق سياراتٍ غيرُ منظم للغاية في العراق. يجعل الاحتيال ونقص المعايير عملية البيع ضبابية للعملاء ويؤثران سلباً على ديناميكيات السوق. 


يستخدم تجار السيارات و "المعارض" وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لسياراتهم. لكن تواجههم العديد من القيود في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تتطلب إدارة مستمرة للمحتوى للحفاظ على الزخم، والإعلانات المدفوعة ضرورية للوصول إلى العملاء المتوقعين المؤهلين. عدد العملاء المحتملون التلقائيون الناتج عن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي قليل، كما أن الآفاق المؤهلة أقل، ويصبح عبء العمل غير محتمل حتى بالنسبة إلى التجار المعتمدين الأكثر شهرة. تتطلب رحلة العميل الرقمية أكثر من مجرد الرد على رسائل العملاء عبر منصات التواصل الاجتماعي.

إن رحلة العميل مرهقة وفيها العديد من مواطن الشكوى، ولم يتم فعل الكثير لتحسين الوضع في أحد أكبر الأسواق في العراق. يطالب العملاء بالمزيد من الخدمات الرقمية والخدمات ذات القيمة المضافة لتعزيز تجربة الشراء الخاصة بهم. إنه تحول صعب لسوق سيارات ناشئ وجديد نسبياً يتعافى من عقود من الحرب والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي. لكن لقد حان الوقت أخيراً لمشتري السيارة العراقي لأن يحظى بخدمات أفضل. لا يكفي الحصول على عروض أسعار من التجار، بل يجب أن يكون من السهل حجز تجربة قيادة، ومقارنة حلول تمويل السيارات، والتقديم على قروض وتواريخ تسليم الحجز، وغير ذلك الكثير لتحسين رحلة العميل.


بدأت قوائم مواقع السيارات والتطبيقات مع Mredy.com في عام 2008، ثم دخل اللاعب الإقليمي OpenSouq إلى السوق في عام 2014، وبدأت شركة iQ Cars العمل في عام 2020. تهدف جميعها إلى إنشاء سوق أكثر تنظيماً ورحلة عميل أسلس وأسهل. توفر iQ Cars المزيد من الأدوات لتحسين تجربة شراء السيارة، مثل مقارنة السيارات بالتفصيل وتمكين المشتري من مراقبة السوق والحصول على إشعار عندما تكون سيارتهم المفضلة متاحة للبيع.

أصبح المستهلك العراقي أكثر إلماماً بالتكنولوجيا وأصبح يتخذ قرارات شراء أكثر وعياً؛ مما يجعل من هذا الوقت ليكون الأفضل لرقمنة رحلة شراء السيارة للعميل.




More Arabic Articles

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

أدوار جامعية رائدة: الجامعة الأمريكية في السليمانية تقود المشاركة الجامعية في تطور ريادة الأعمال في العراق

في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more

تشكيل الغد: إعداد الشباب العراقي لسوق العمل

"الأمة التي لا تفكر بالشباب هي أُمةٌ تخطط للانتحار." لا شك بأن الشباب هم قادة المستقبل، وإنَّ عدم إشراكهم واحترام دورهم في... read more

مجموعة جيهان: نسج تراث من الابتكار في مُختَلَف القطاعات

تُعدُّ مجموعة جيهان من شركات التصنيع الرائدة في إقليم كوردستان العراق، وقد نَمَت على مدى العقود المنصرمة منذ بداياتها الأولى في صناعة... read more

Posted in on Wednesday, 15th February, 2023