إعادة ترتيب الأولويات: هل العراق في طريقه لرسم مشهد أعمال مقاوم تغيُر المناخ؟ 


محمد جمال، رئيس التحرير

صفوة سالم، محرر تنفيذي

مجلة بزنس لاندسكيب


نتناول في العدد التاسع من مجلة بزنس لاندسكيب تحديّات المناخ التي يتحتم التصدي لها بعد أن باتت معروفة للجميع في العراق بسبب آثارها الجَلِيَّة والمُنذِرة بالخطر. لقد انشغلت حكومة العراق وقطاعه الخاص والمؤسسات الدولية وغيرهم من أصحاب المصلحة على مر السنين بالمصاعب السياسية والأمنية والاقتصادية التي عانى منها البلد، ممّا أدى إلى ركن تغيُر المناخ على جنبٍ واعتباره قضية ثانوية.

إلّا أنّ الآثار السلبية لتغيُر المناخ تسببت بأضرارٍ فادحةٍ على المستوى الوطني، ممّا يستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات تخفيفية للحد منها. كما أنّ تبعات تغيُر المناخ على مشهد أعمال العراق تقتضي تدخلاً قوياً وعاجلاً. لذا، انطلاقاً من مسؤوليتنا بصفتنا كياناً تطويرياً للقطاع الخاص، وضع مركز أعمال كابيتا قضية تغيُر المناخ في قائمة الأولويات، ساعياً للتصدي لها عن طريق حملات إذكاء الوعي ورسم السياسات والتطوير التكنولوجي. ولذلك خصصنا هذا العدد من مجلة بزنس لاندسكيب لتناول تحديات تغيُر المناخ متعددة الأوجه في هذه النقاط الجوهرية الثلاثة:

تدفع سلسلة تأثيرات تغيُر المناخ البلد نحو السقوط في كارثة شاملة، إذ يواجه اليوم مشاكل كثيرة منها التصحر وندرة المياه وتراجع هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وازدياد العواصف الترابية، وقد أثرت هذه الظروف تأثيراً مباشراً على حياة الناس وأمنهم. (اقرأ المزيد في الصفحة 62، نظرةٌ عامةٌ على تغيُر المناخ في العراق: تأثيراتهُ وطرق تخفيفها والتكيف معها بواسطة فريق أبحاث كابيتا).



لقد فاقمت تأثيرات تغيُر المناخ من مشاكل الكثير من القطاعات الحيوية في البلد، مثل الطاقة والزراعة والصحة والمياه والأنظمة الطبيعية والغابات، وألقت بظلالها على تنوعها البيولوجي وغيره. يتوجب على العراق أن يسعى لتعزيز قدرته الوطنية على مواجهة تبعات تغير المناخ عبر مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات، مع التركيز على المناطق الأكثر ضعفاً وحساسية. (اقرأ المزيد في الصفحة 26، العواصف الترابية تلوح في الأفق: التصدي لتأثيرات تغيُر المناخ على العراق والحاجة المُلِحة للاستجابة الاستباقية للدكتور حيدر محمد عبد الحميد).

إضافة إلى ذلك، لقد صعّبت آثار تغير المناخ كثيراً على الكثير من المجتمعات للحفاظ على أبسط أسباب العيش، مجبرةً الآلاف من المزارعين على هجرة مناطقهم الريفية بحثاً عن فرصٍ اقتصادية أفضل في مراكز المدن. وفي كانون الأول 2022، بلغ عدد العوائل المهجرة أكثر من 11 ألف عائلة (68 ألف شخص تقريباً) في المحافظات الوسطى والجنوبية. (تعرف على المزيد في الصفحة 18، النزوح بسبب تغيُرِ المناخ وتداعياته على الحياة الاجتماعية والاقتصادية العراقية لعلي داود).

من جانب آخر، أدت الزيادة السريعة في أعداد سكان المناطق الحضرية، خصوصاً في بغداد، بدون أن يصاحبها تخطيط حضري كافٍ، إلى حدوث فقاعة سكنية اقتصادية زادت من سوء وتعقيد تأثيرات المناخ بتوسعها على حساب المساحات الخضراء للعاصمة. (إقرأ المزيد في الصفحة 8، التجاوزات العمرانية وإبادة المساحات الخضراء في بغداد لعبدالله طارق عبود).

تبعاً لذلك، يستمر التوسع الحضري من دون أي اعتبار لمقدار استهلاك الطاقة وآثاره المضرة. إذ تشير التقديرات إلى أنّ المباني السكنية تستهلك أكثر من 60٪ من الطاقة الموَلَدة. تستهلك المنازل حوالي 42٪ من اجمالي الطاقة لأحمال التبريد، وتذهب ربع هذه النسبة للتدفئة. تسلط هذه النسب الضوء على أهمية استخدام أنظمة التبريد الفعالة ودمج استراتيجيات التصميم السلبي (القائم على الاستفادة من موارد الطبيعية) لتقليل استهلاك الطاقة. (اقرأ المزيد في الصفحة 30، الحد من آثار تغيُر المناخ بالاستفادة من التصميم الموفِر للطاقة لأحمد الحمداني).

تتصدر الزراعة جبهة المعركة ضدَّ تغيُرِ المناخ، وتعتبر الظواهر المناخية المتطرفة، وندرة المياه وتدهور التربة، بعض التحديات التي يواجهها المزارعون نتيجةً لأزمة تغير المناخ. وللوقوف بوجه هذا التحدي، تأخذ العديد من الشركات خطوات استباقية لمكافحة تغير المناخ وتعزيز الزراعة المستدامة. يمكن أن يؤدي إدخال ممارسات زراعية مبتكرة إلى بناء قطاع زراعي أكثر استدامة وقدرة على الصمود. (اقرأ المزيد في الصفحة 36، من الحاضنة إلى التشغيل: كيف تُسَرِعُ قاف لاب الزراعة الذكية-مناخياً في العراق لأحمد محمد)

إضافة إلى ذلك، رغم أن الحديث حول تغير المناخ مازال مستمراً، إلَّا أنّه أهمل جزئية السيّاحة، وبالأخص البيئية منها، وهي واحدة من أكثر القطاعات ارتباطاً بالمناخ، فإمكانات السيّاحة البيئية هائلة وتَصلُح لأن تكون مصدراً مهماً لتوفير فرص العمل والترفيه. (اقرأ المزيد في الصفحة 22، العراق وجهةً نهائية؟ محاولات لبناء سياحة بيئية مزدهرة لعيسى محمد).

ولزيادة مستوى استعداد العراق للتصدي لتحدي تغيُر المناخ، من المهم تسليط الضوء على أصحاب المصلحة الأساسيين من الهيئات الحكومية إلى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ومستوى مسؤوليتهم ومدى تأثيرهم من ثلاثة أوجه، أولها صنع السياسات والقرارات، ومن ثم نشر الوعي والمعلومات، والتحول التكنولوجي والتقني. (اقرأ المزيد في الصفحة 50، تحديد الأطراف المعنية بالعمل المناخي: تسخير الوعي والسياسة والتكنولوجيا بواسطة فريق أبحاث كابيتا).

ولمناقشة النتائج المنشورة في تحديد الأطراف المعنية بالعمل المناخي، استضاف مركز أعمال كابيتا مؤتمراً اشتمل على ثلاث حلقات نقاشية، استُهِلَت بالحديث عن صنع السياسات والقرارات في المشاريع المتعلقة بتغير المناخ، والوعي ونشر المعلومات حول تغير المناخ، والتحول التكنولوجي نحو التخفيف من أزمة المناخ والتكيف معها. كان المؤتمر دعوة مفتوحة للتفكير جماعياً في الحلول لهذه الأزمة. (اقرأ المزيد في الصفحة 42، تحديد الأطراف المعنية بالعمل المناخي: مؤتمر تسخير الوعي والسياسة والتكنولوجيا).

ولا يمكن أن تستمر مناقشة تأثير تغيُر المناخ دون تسليط الضوء على قطاع الهيدروكربونات وصناعة النفط والغاز، خاصة في اقتصاد يعتمد على النفط مثل العراق. كان من دواعي سرور بزنز لاندسكيب أن تقابل القائد والرائد في هذا القطاع، السيد ماجد جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال، الذي شاركنا بآرائه حول صناعة النفط والغاز وآخر التطورات والتحديات والفرص والإمكانات المستقبلية. كما ناقشنا معه تأثير تغير المناخ على قطاع الهيدروكربونات، والتزام نفط الهلال بالاستدامة، والخطوات التي اتخذتها للحد من انبعاثات الكربون. (اقرأ المزيد في الصفحة 72).

كما تشرفنا بمقابلة سعادة السفير البريطاني في العراق السيد مارك برايسون ريتشاردسون، الذي حدَثَنا عن القضايا التي تعالجها السفارة البريطانية في العراق، وجهودهم في التخفيف من تأثير تغير المناخ في البلد، ودعمهم لمشاريع الطاقة المتجددة. (اقرأ المزيد في الصفحة 80).

علاوة على ذلك، أخبرنا المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة برحيّة السيد ميثم سعد، القصة وراء برحيّة، وتحديات السوق المشّبَعة بالواردات، وتأثير تغير المناخ على شركات تصنيع المواد الغذائية. (اقرأ المزيد في الصفحة 86).

ولكي نحرز تقدماً أكثر في هذا الطريق، نوجه دعوة مفتوحة لجميع أصحاب المصلحة المشاركين في تنمية العراق للانضمام إلينا في مسعانا لفهم وتحليل تعقيدات تغير المناخ من خلال عدسات الوعي والسياسة والتكنولوجيا. فلنتكاتف ونتعاضد كي نبتكر وننفذ استراتيجيات تفضي إلى استجابة فعالة لهذه القضية التي أرّقَت العالم. ولنتذكر دائماً أنَ معالجة تغيُر المناخ هي مسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً من دون استثناء.


More Arabic Articles

استثمر في كوردستان: نظرة عامة على القطاعات ذات الأولوية

إقليم كوردستان العراق هو إقليمٌ يتمتع بالحكم الذاتي يقع في الجزء الشمالي من العراق، وله موقع استراتيجي مهمٌ عند التقاء أوروبا وآسيا... read more

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إقليم كوردستان: نظرة عامة على المهارات الرقمية والقطاعات وفرص الاستثمار

يقع إقليم كوردستان في شمال العراق ويضم أربع محافظات هي دهوك، والسليمانية، وحلبجة، وأربيل، والأخيرة هي عاصمته. تمتد هذه المحافظات مجتمعة على... read more

تحول التعليم الجامعي في كوردستان العراق: اجتياز العقبات وتبني التغيير الإيجابي

واجه التعليم في إقليم كوردستان العراق العديد من التحديات في الماضي، لكنه أيضاً شهد تحولاً مطرداً في السنوات الأخيرة. لقد أدرك الإقليم... read more

أدوار جامعية رائدة: الجامعة الأمريكية في السليمانية تقود المشاركة الجامعية في تطور ريادة الأعمال في العراق

في عصر التقدم التكنولوجي السريع والتواصل العالمي، عادة ما يتردد على أسماعنا مصطلح "ريادة الأعمال" في قاعات التجارة والأعمال، هذه الكلمة الرنّانة،... read more

تشكيل الغد: إعداد الشباب العراقي لسوق العمل

"الأمة التي لا تفكر بالشباب هي أُمةٌ تخطط للانتحار." لا شك بأن الشباب هم قادة المستقبل، وإنَّ عدم إشراكهم واحترام دورهم في... read more

مجموعة جيهان: نسج تراث من الابتكار في مُختَلَف القطاعات

تُعدُّ مجموعة جيهان من شركات التصنيع الرائدة في إقليم كوردستان العراق، وقد نَمَت على مدى العقود المنصرمة منذ بداياتها الأولى في صناعة... read more

Posted in on Tuesday, 13th June, 2023