اللبنات الأساسية المُهملة للاقتصاد العراقي
صفوة سالم، المحررة التنفيذية
مجلة بزنس لاندسكيب
لقد مرّ العراق بفترة حرجة طويلة من العقوبات التي أدّت إلى تدهور الاقتصاد وجعلته بمعزل عن الأسواق العالمية، وحرمته من أن يشهد ثورة الانترنت التي اشتعلت في تسعينيات القرن الماضي ويستفيد من آثارها الإيجابية على جميع القطاعات والصناعات المختلفة، خصوصاً في القطاع المصرفي والبنى التحتية المالية.
أمّا في عصرنا الحالي، فقد بدأ العراق بالتعافي وإعادة بناء الجسور مع النظم المالية الدولية، وجرت العديد من التغييرات على القطاع المصرفي والخدمات المالية. (المزيد في الصفحة 33، عراقٌ معفي من العقوبات الاقتصادية: الوضع الجديد في النظام المالي الدولي، إعداد عبد العزيز العطار).
هذا وقد أنتجت لنا هذه الفترة عجزاً شديداً في الخدمات في البلاد، كالتكنولوجيا المالية، والتجارة الالكترونية ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ، والعمل الحر، ومنصات صنع المحتوى، حيث أنّ السبب الرئيس في هذا العجز يعود إلى مشاكل المدفوعات المالية التي تعد بقايا العقوبات السابقة، إلى جانب عزوف المستثمرين والشركات الدولية عن المجازفة والعمل في العراق، بالإضافة إلى غياب التنظيمات المناسبة التي من شأنها أن تخلق بيئة مواتية لتوفير هذه الخدمات. بالتالي، فقد أدى هذا الأمر إلى تفويت العراقيين العديد من الفرص. (للمزيد من المعلومات اقرأ صفحة 7، العِلة الخفية: تحري غياب الخدمات الدولية ومسبباتها الرئيسية والفرص الضائعة، إعداد صفوة سالم، عيسى محمد، ورواز رؤوف).
يعدُ القطاع المصرفي والبنى التحتية مرتكزين أساسيين لأي اقتصاد وهما الممكّنان لنموه والمعززان لازدهاره. هذا ويلعب القطاع المصرفي دوراً جوهرياً في حركة الأصول وتوريد الاعتمادات للأعمال التجارية من أجل توسيعها. ورغم التطورات التي شهدها القطاع في العراق في السنوات الأخيرة والزيادة المفاجئة في خدمات المدفوعات الرقمية، إلّا أن الاقتصاد العراقي ما يزال اقتصاداً قائماً على النقد ويعاني شحّةً في الخدمات المصرفية، حيث تبلغ نسبة البالغين الذين يملكون حساباتٍ مصرفية أقل من 23٪، مع وجود 5.63 فروع للمصارف التجارية لكلّ 100,000 فرد بالغ، وهي النسبة الأقل في المنطقة بالمقارنة مع دول الجوار. (المزيد في الصفحة 38، نظرة عامة على القطاع المصرفي والبنى التحتية المالية، إعداد فريق بحث كابيتا).
وأدى انخفاض تغلغل وتوافر فروع المصارف وأجهزة الصراف الآلي إلى جانب انعدام الثقة العامة في القطاع المصرفي والائتمان الهامشي المقدم إلى القطاع الخاص إلى إعاقة حصول الأفراد في العراق على التمويل والحصول على قروض لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم والأعمال التجارية الصغيرة المتنامية. ومع ذلك، فقد ظهرت فرص قروض تمويل قليلة في محاولة لتحفيز نمو الأعمال مثل مبادرة تمويل التي أطلقها البنك المركزي العراقي وإطلاق صندوق أورانج كورنرز للابتكار. إلا إنه يجب على أصحاب المصلحة في بيئة الأعمال أن يمارسوا الضغط لتحسين الوصول إلى التمويل في العراق. (المزيد في الصفحة 12، الوصول إلى التمويل في العراق: دراسة تحليلية، إعداد عبد الغني الحسني).
بالتالي، فقد تجلّى الصراع الدائر حول الوصول إلى التمويل في العراق في مجال الشركات العراقية الناشئة؛ حيث بيّنت آخر أبحاث كابيتا أنّه قد صُنِفَ التمويل على أنّه الجانب الأكثر تحدياً للتوسع، مع كون التمويل الذاتي مصدر التمويل الرئيس لرواد الأعمال. (للمزيد من المعلومات اقرأ صفحة 48، رحلة رواد الأعمال العراقيين النسخة الثانية، توجهات ورؤى جديدة، إعداد فريق بحث كابيتا).
يمكن أن يُعزى ذلك أيضاً إلى النظام البيئي لرأس المال الاستثماري الذي يعاني من تحدياتٍ كثيرة تتراوح بين القيود المفروضة على ملكيات الأجانب، وأحكام القانون التجاري غير المواكبة للتطور، وعدم استقرار الحكم القضائي، وترك بيئة الأعمال مع خيارات تمويل قليلة وإجبار المستثمرين على البحث في هياكل حلول معقدة للتخفيف من تلك التحديات. (للمزيد من المعلومات اقرأ صفحة 28، بيئة الأعمال لرأس المال المُخاطر في العراق: تحديد الثغرات والتغلب على قصور القوانين واللوائح، إعداد سيرجي آيروت).
وعلى الجانب الآخر فيما يخص التمويل، فلم تعط المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات الناشئة الأولوية للمحاسبة وإدارة الحسابات بصورة صحيحة ولم تدرك أهمية التوثيق الرسمي في قيادة عملياتها. إن هذه الجوانب ضرورية من أجل الحفاظ على ديمومة الأعمال التجارية وتسهيل عملية الحصول على التمويل عندما تسعى الشركة للحصول على ذلك. (المزيد في الصفحة 20، احسبها لتديرها: دور المحاسبة السليمة في نجاح المشاريع المتوسطة والصغيرة في العراق، إعداد د. ياس الخفاجي).
وبصرف النظر عن جميع التحديات المذكورة أعلاه، فإنّ العراق يشهد تغيرات إيجابية كثيرة على أرض الواقع؛ حيث جمعت الشركات العراقية الناشئة ضعف حجم الاستثمار في 2022 مقارنة بالسنوات الثلاث الماضية، كما أنّ القطاع الخاص في نموّ مستمر، فضلاً عن دخول العديد من المؤثرين الإقليميين إلى الساحة ووجود المشرعين الذين يحاولون تنفيذ الإصلاح للتخفيف من الحواجز في ابيئة الأعمال. إنّ بالإمكان تسريع هذا التغيير من خلال الجهود الجماعية لأصحاب المشاريع والمستثمرين والمؤسسات المالية والجهات الفاعلة في بيئة الأعمال وأصحاب المصلحة. (المزيد في صفحة 25، القطاع الخاص الذي نحتاجه: دعوةٌ للتحرك، إعداد علي السهيل).
إنّ بناء اقتصاد عراقي متين يتطلب وضع أساسات قوية ومستقرة لا يمكن إرساؤها إّلا من خلال بيئة قطاع خاص وريادة أعمال مستدامة ذات أرض خصبة يمكن من خلالها العمل على البنى التحتية المصرفية والمالية، والقوانين والتنظيمات، وسوق رأس المال وسوق الأوراق المالية والوصول إلى التمويل.